الدوائر العروضية

الدوائر العروضية في علم العروض: دليل مبسّط للدارسين

مقدمة

يُعدّ علم العَروض أحد أجمل وأدق علوم العربية، إذ يُعنى بدراسة أوزان الشعر وإيقاعاته ليكشف سرّ موسيقاه الداخلية وجمال نظمه.
وضع أُسُسه الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي لاحظ أن للشعر نظامًا صوتيًا متكرّرًا يشبه الإيقاع في الموسيقى، فصاغ منه علمًا يُبنى على الأسباب والأوتاد والتفعيلات. ومن عبقريته وُلدت الدوائر العروضية التي تُعَدّ بمثابة خريطة إيقاعية لكل بحور الشعر العربي.

ما المقصود بالدوائر العروضية؟

الدوائر العروضية هي أشكال هندسية تمثل بحور الشعر العربي في نظام بصري يساعد على فهم العلاقة بين الأوزان المختلفة.
فكل دائرة تجمع عدداً من البحور المتقاربة في تركيبها من حيث الأسباب (وهي المقاطع القصيرة) والأوتاد (المقاطع الأطول).
ومن خلال تدوير الدائرة من نقطة البداية، نحصل على بحور مختلفة تُستخرج من الترتيب نفسه، وكأنها أنغام تتغيّر بتبديل مواقع النقرات الموسيقية.

الدوائر الخمس في علم العروض

الدوائر العروضية - دائرة المختلف

1. دائرة المختلف (دائرة الطويل)

تُسمّى بهذا الاسم لاختلاف أجزائها بين تفعيلات خماسية وسباعية.
ومنها تُستخرج البحور: الطويل، المديد، البسيط، إضافة إلى بحور مهملة لم تُستخدم مثل المستطيل والممتد.

  • الطويل: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
    مثال: ألا يا لقومٍ للتنائي وللهجرِ

  • المديد: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن

  • البسيط: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن




الدوائر العروضية - دائرة المؤتلف
2. دائرة المؤتلف (دائرة الوافر)

تتميز باتحاد تفاعيلها السباعية، وتضم البحور: الوافر، الكامل، والمتوفّر (مهمل).

  • الوافر: مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن

  • الكامل: متفاعلن متفاعلن متفاعلن





الدوائر العروضية - دائرة المجتلب
3. دائرة المجتلب (دائرة الهزج)

تضم البحور التي تعتمد على تفعيلات إيقاعية متقاربة: الهزج، الرجز، الرمل.

  • الهزج: مفاعيلن مفاعيلن

  • الرجز: مستفعلن مستفعلن مستفعلن

  • الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن



الدوائر العروضية - دائرة المشتبه
4. دائرة المشتبه (دائرة السريع)

سُمّيت بالمشتبه لتشابه أوزانها وتنوع تراكيبها.
ومنها البحور: السريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتث، إضافة إلى مهملات مثل المتئد والمنسرد.

  • السريع: مستفعلن مستفعلن مفعولات

  • الخفيف: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

  • المضارع: مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن



الدوائر العروضية -دائرة المتفق
5. دائرة المتفق (دائرة المتقارب)

تقوم على تكرار التفعيلة الخماسية، وتضم: المتقارب والمتدارك.

  • المتقارب: فعولن فعولن فعولن فعولن

  • المتدارك: فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن





كيفية رسم الدوائر العروضية

لرسم دائرة عروضية، ارسم دائرة قسّمها إلى مقاطع تمثل الأسباب والأوتاد، وضع عند كل نقطة رمزاً (مثل / للحركة و○ للسكون).
ابدأ من نقطة معينة واكتب التفعيلات بالترتيب، ثم أدر الدائرة لتكتشف بحوراً جديدة.
يمكن استخدام برامج حديثة مثل Draw.io أو Canva لتصميمها بشكل جميل وملوّن.


أهمية الدوائر العروضية

تمثل الدوائر العروضية أداة تربط بين الإبداع الفني والدقة العلمية، فهي:

  • تساعد في تحليل بنية القصيدة وفهم موسيقاها.

  • تكشف عن التنوع الإيقاعي بين البحور الشعرية.

  • تمكّن الشعراء من ضبط أوزانهم دون كسر الوزن.

  • تفتح للناقد باباً لفهم التوازن بين الشكل والمعنى.

كما أن استخدامها لا يقتصر على الشعر القديم، بل يمكن تطبيقها في تحليل الشعر الحر والحديث لتتبع الإيقاعات الداخلية.


التحديات والحلول

قد تبدو الدوائر معقّدة للمبتدئين بسبب رموزها ومصطلحاتها، لكن يمكن تجاوز ذلك من خلال:

  • التعلم العملي عبر تقطيع أبيات الشعر.

  • استخدام تطبيقات عروضية حديثة.

  • عقد ورش تفاعلية لتبسيط فهم الأسباب والأوتاد.


خاتمة

الدوائر العروضية ليست مجرد أشكال هندسية، بل هي لغة الإيقاع العربي التي ابتكرها الخليل لتمنح الشعر نظامه وجماله.
ومن يتأملها يدرك أن الشعر العربي ليس كلمات موزونة فحسب، بل موسيقى تتنفس عبر اللغة.
إن فهم هذه الدوائر هو المفتاح للدخول إلى عالم الشعر العربي بكل ما فيه من تناغم، وعمق، وسحر.

مدخل إلى بحور الشعر العربي

 

البحور وتفعيلاتها

البحور: هي الأوزان الشعرية أو الإيقاعات الموسيقية المختلفة للشعر العربي، وسمي البحر بهذا الاسم؛ لأنه أشبه البحر الذي لا يتناهى بما يُغترف منه في كونه يوزن به ما لا يتناهى من الشعر.

وهذه الإيقاعات الموسيقية الشعرية اعتمدها الشعراء، فألفتها الآذان، وطربت لها النفوس، فاعتمدها الشعراء طوال قرون عدة. حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، فاستخرج صورها الموسيقية وسكبها في قوالب سماها بحورا، وأعطى كل بحر منها اسما خاصا مازال يعرف به حتى يومنا هذا.

والبحور التي استخرجها الخليل خمسة عشر وزنا هي لكل البحور المعروفة اليوم ما عدا بحر المتدارك الذي وضعه تلميذه الأخفش.

والنهج الذي انتهجه الخليل في وضع بحوره ينطلق من كون الكلمات في العربية مؤلفة من متحركات فساكنات، وهذه تحسب وفق النطق بها لا حسب كتابتها، فكل ما لا ينطق به يسقط في الوزن ولو كان مكتوبا والعكس بالعكس كما عرفنا ذلك في الكتابة العروضية.

وهذه المتحركات والساكنات تجتمع زمرا في مجموعات سماها تفاعيل وهي عشر كما علمنا.

والبحور الشعرية تختلف في عدد تفعيلاتها على ثلاثة أقسام :

(1) منها ما يتكون من أربع تفعيلات في كل شطر وهي: الطَّوِيْل، البسيط، المتقارب، المتدارك.

(2) منها ما يتكون من ثلاث تفعيلات في كل شطر وهي: المديد، الوافر، الكامل، الرجز، الرمل، السريع، المنسرح، الخفيف.

(3) منها ما يتكون من تفعيلتين في كل شطر وهي: الهزج، المضارع، المقتضب، المجتث.



 


ما يسمى بالشعر الحر

محاولة الإفلات من قيود الوزن العروضي والقافية باسم الشعر الحر

إن الذي دعاهم إلى الإفلات من قيود الوزن زاعمين ضيق الأوزان في الشعر العربي قد دعاهم مثلُه إلى الإفلات من قيود القافية؛ ذلك بأن الشعر العربي إذا زاد المقول فيه على بيت واحد وجب أن يتحد مع الأصل في الوزن والقافية، ولم يعهد عن العرب القدماء أنهم قالوا بيتين أو أكثر في معرض واحد إلا جاؤوا بذلك من بحر واحد، وجعلوا أواخر الأبيات حرفا واحدا مع ما اشترطوا في هذه الأواخر من شروط مجموعها هو علم القافية.

حقا إن هذا إذا نظرنا إليه نظرة عامة نراه التزاما شديدا لم تشترطه لغة غير العربية، فأكثر اللغات يكفي فيها شرط الوزن مع خلاف بين اللغات واللغة العربية فيما يراد بهذا الشرط أيضا.

ولو نظرنا إلى اللغة العربية في سابق عهدها وجدناها قد نهضت بجميع أغراض القول مع اشتراط الوزن والقافية، وكان أكثر كلام العرب شعرا، ولم يُعرف أن أحدا منهم شكا من ذلك، أو تبرم به، أو حاول الخروج عليه لا في جاهلية ولا إسلام حتى كان العصر العباسي.

فإذا كان بعض الشعراء في العصر العباسي قد تبرم بهذين القيدين فليس العيب عيب اللغة، ولكنه عيب من يحاول ما لا يستطيع، وهو عيب من لا يستكمل الوسائل ثم يريد الطفور (القفز) إلى الغايات، وما كان لنا أن نتابع هؤلاء الباغين على العربية الذين يريدون أن يتحيَّفوا (يتنقَّصوا) جمالها من أطرافه، فننادي معهم بطرح هذه القيود؛ فإنها ليست كما ظنوا قيود منع وإرهاق، ولكنها حجز زينة، ومعاقد رشاقة، ونظام فريد لا يحسن إلا إذا روعي فيه التناسق والتناظر.

ومن أمثلة هذه المحاولة المزرية بقدر الشعر ما أنشده القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الإعجاز من قول بعضهم:

رُبَّ أخٍ كنتُ به مغتبطًا ** أشدُّ كفيْ بعُرى صحبتهْ

تمسكا مني بالود ولا ** أحسبه يزهد في ذي أملِ

ولكن هذا الناعق لم يجد من يتابعه؛ لأن الأذن لم ترتح إلى صنيعه، لكنهم قبلوا من ذلك أنواعا أخرى منها:

أولا: الشعر المزدوج:

الشعر المزدوج أو المثنيات هو الذي يعتمد فيه الشاعر على تصريع أبيات القصيدة جميعا، فقافية الشطر الأول هي نفس قافية الشطر الثاني، وأميز ما يكون ذلك في الأراجيز.

وقد بدأ الشعراء العباسيون بهذا النوع من الشعر؛ إذ وجدوه سهلا يسيرا لا يكلفهم مشقة الحفاظ على وحدة القافية في القصيدة الواحدة. ويُرَى أن أول من نظم فيه بشار بن برد وأبو العتاهية، ثم تتابع عليه الشعراء، إذ وجدوه أسهل في نظم القصص الطويلة، والحكم، والأمثال، ومسائل العلوم. ولأبي العتاهية مزدوجة مشهورة عدتها أربعة آلاف بيت، سماها (ذات الحكم والأمثال)؛ لكثرة الحكم والأمثال فيها، منها:

إن الشباب والفراغ والجده ** مفسدة للمرء أي مفسده

حسبك مما تبتغيه القوت ** ما أكثر القوت لمن يموت

الفقر فيما جاوز الكفافا ** من اتقى الله رجا وخافا

لكل ما يؤذي ، وإن قل ، ألم ** ما أطول الليل على من لم ينم

ما انتفع المرء بمثل عقله ** وخير ذخر المرء حسن فعله

ثانيا: المسمط - المسمطات:

المسمط أو المسمطات نوع من الشعر يبتدئ فيه الشاعر ببيت مصرع غالبا، تسمى قافيته عمود القصيدة، ثم يأتي بمجاميع من الأشطر في كل منها خمسة أشطر: الأربعة الأولى منها على غير قافية البيت الأول (عمود القصيدة) والشطر الخامس على هذه القافية،  ومثاله المسمط المنسوب إلى امرئ القيس، وقيل: إنه منحول:

توهمت من هند معالم أطلال ** عفاهن طول الدهر في الزمن الخالي

مرابع من هند خلت ومصايف ** يصيح بمغناها صدى وعوازف

وغيرها هوج الرياح العواصف ** وكل مسف ثم آخر رادف

بأسحم من نوء السماكين هطال

وهذا أشيع أنواع المسمطات، وإلا فإن له أنواعا عدة، منها ما يعرف بـ (تسميط التقطيع)، وتكون فيه أجزاء البيت الشعري كلها مسجعة بروي من غير روي القافية نحو قول ابن هانئ الأندلسي (من الكامل):

ملأوا البلاد رغائبا وكتائبا ** وقواضبا وشواربا إن ساروا

وجداولا وأجادلا ومقاولا ** وعواملا وذوابلا واختاروا

ومنهم من يسمي هذا النوع من المسمطات (الموازنة)، ويخرجه من صنف المسمطات.

ثالثا: المخمس - المخمسات:

هو الشعر الذي يقسم فيه الشاعر قصيدته إلى خمسة أقسام في كل منها خمسة أشطر مع مراعاة نظام ما للقافية في هذه الأشطر.

والشعر المخمس نوعان:

النوع الأول: نوع يكون فيه كل خمسة أشطر ذات قافية واحدة، ومستقلة تمام الاستقلال في قوافيها وأوزانها عن الأشطر الخمسة التي تليها، ومثاله قول إلياس فرحات تحت عنوان (بين الطفولة والشباب):

ظلمتني ظلمتني يا دهر ** ماذا تشا؟ هل لك عندي ثأر

كأن دمعي فوق خدي نثر ** كأن صدري من سقامي شعر

وكل ضلع من ضلوعي شطر

قد صرت من حزني وامتعاضي ** كالهيكل الهادي إلى الأرباض

إن أذكر العهد اللذيذ الماضي ** يختلط السواد بالبياض

وتمطـر العين على الأنقـاض

وهذا الشعر لم ينتشر بين شعرائنا المحدثين.

النوع الثاني: نوع تتحد فيه القافية في الأشطر الخمسة الأولى، أما في باقي مخمسات القصيدة، فيكون للأشطر الأربعة الأولى من كل مخمس منها قافية خاصة، وتتحد قافية الشطر الخامس مع أشطر المخمس الأول،  ومثاله قول الرصافي:

إلى كم أنت تهتف بالنشيدِ ** وقد أعياك إيقاظ الرقودِ

فلست، وإن شددت عرى القصيدِ ** بمجد في نشيدك أو مفيدِ

لأن القوم في غيٍّ بعيدِ

إذا أيقظتهم زادوا رقادا ** وإن أنهضتهم ، قعدوا وئادا

فسبحان الذي خلق العبادا ** كأن القومَ قد خلقوا جمادا

وهل يخلو الجماد عن الجمودِ؟

وهذا النوع من المخمسات هو الذي استحسنه الشعراء المحدثون، فأكثروا منه، ونظموا فيه أغراضا لم يطرقها القدماء، ففيه نظم حافظ إبراهيم قصيدة في رثاء الملكة فكتوريا، ونظم معروف الرصافي قصيدته (الفقر والسقام)، وقصيدته (إيقاظ الرقود).

ويمكن اعتبار هذا النوع من المخمسات مع المربعات نواة للموشحات التي ظهرت فيما بعد، وذلك نظرا لما فيه من عنصر يتكرر في كل قسم من أقسامه.


ما أحدثه المولدون في أوزان الشعر وقوافيه

نظر الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما ورد عن العرب من أشعار فاستطاع أن يضبطه ويرجع أوزانه إلى خمسة عشر بحرا سماها بحور الشعر زاد الأخفش بعد ذلك بحرَ المتدارك وكان الخليل قد نفاه.

فكل ما خرج عن الأوزان الستة عشر أو الخمسة عشر فليس بشعر عربي، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو عمل المولدين الذين رأوا أن حصر الأوزان في هذا العدد يُضَيِّقُ عليهم مجال القول، وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة، وهذه لاحد لها؛ وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان؛ لأن أذواقهم تربت على إلفها، واعتادت التأثر بها، ولأنهم يرون أن كلاما يوقع على الأنغام الموسيقية يسهل تلحينه والغناء به، وأمر الغناء بالشعر العربي مشهور، ورغبة العرب فيه خصوصا في هذه المدنية العباسية أكيدة.

لذا رأينا أن المولدين قد أحدثوا أوزانا أخرى، منها:

أولا: البحور المستنبطة:

استنبطوا ستة بحور من عكس دوائر البحور وهي: (المستطيل، الممتد، المتوافر، المتئد، المنسرد، المطرد) .

ثانيا: الفنون المستحدثة:

استحدثوا غير ما تقدم الفنونَ السبعة وهي: (السلسلة، الدوبيت، القوما، الموشح، الزجل، كان وكان، المواليا).

موضوعات تم تصفحها مؤخرا

الدوائر العروضية

الدوائر العروضية في علم العروض: دليل مبسّط للدارسين مقدمة يُعدّ علم العَروض أحد أجمل وأدق علوم العربية، إذ يُعنى بدراسة أوزان الشعر وإيقاعا...

موضعات شائعة